أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة 12 أبريل 2019 : آداب وأخلاق السوق للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة 12 أبريل 2019 : آداب وأخلاق السوق في الإسلام ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 6 شعبان 1440 هـ ، الموافق 12 أبريل 2019 م.

 

 

لتحميل خطبة الجمعة 12/4/2019 وعناصرها:

لتحميل خطبة الجمعة 12/4/2019 بصيغة word  أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة 12/4/2019 بصيغة  pdf أضغط هنا.

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2019 كما يلي:

 

  عناصر خطبة الجمعة :

 العنصر الأول: آداب وأخلاق السوق في الإسلام

العنصر الثاني: سلوكيات ومعاملات محظورة في سوق البيع والشراء

العنصر الثالث: قصص عن أخلاق السوق والبيع والشراء

     المقدمة:                                                            أما بعد:

 

العنصر الأول: آداب وأخلاق السوق في الإسلام من خطبة الجمعة

عباد الله:

كثير منا يعمل بمهنة التجارة؛ وكلنا نبيع ونشتري كل ما يلزم حياتنا ومعيشتنا اليومية؛ وقد نقع في المحظور أثناء مزاولة البيع والشراء؛ لذلك آثرت أن أتكلم مع حضراتكم في هذا اللقاء عن آداب وأخلاق السوق والتي تتمثل فيما يلي:-

– النية الصالحة:

على التاجر وكل من يتصدر للبيع والشراء أن يخلص نيته في بيعه وشرائه؛ فالنية الصالحة هي التي تقلب الأمور العادية إلى عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل؛ فعن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ” (البخاري)؛ وقد جعل الإمام البخاري هذا الحديث حديث رقم ( 1 ) في صحيحه؛ كإشارة إلى أن أي عمل تقوم به لابد أن تصحح نيتك قبل أن تقدم عليه؛ سواء أكان هذا العمل من أعمال الدنيا أم من أعمال الآخرة.

 

– تعلم فقه السوق والبيع والشراء:

وقد بيَّنَ العلماءُ رحمهم الله العلمَ الواجبَ وجوبًا عينيّاً ، وتكلموا في المقدارِ الذي هو فرضُ عينٍ على كل مسلمٍ تعلُّمُه , وذكروا أن منه : تعلم أحكام البيوع لمن يعمل بالتجارة , حتى لا يقع في الحرام أو الربا وهو لا يدري , وقد ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ما يؤيد ذلك . “قال عمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنه : لاْ يَبِعْ فِيْ سُوْقِنَا إِلاْ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِيْ الدِّيْنِ” (الترمذي ؛ وحسنه )؛ ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يدخل السوق، فإذا وجد بائعاً لا يفقه كيف يبيع ويشتري علاه بالدرة، وقال له: تعلم. من لم يتعلم ذلك الفقه وقع في الربا شاء أما أبى. وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضيَ اللهُ عنه : مَنِ اتَّجَرَ قبلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِيْ الرِّبَا ، ثُمَّ ارْتَطَمَ ، ثُمَّ ارْتَطَمَ . أي : وقع في الربا . ( مغني المحتاج ).

 

– التبكير في طلب الرزق:

فينبغي على كل من أراد التجارة والبيع والشراء التبكير في طلب الرزق؛ وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بالبركة في بكورها؛ فعَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا. قَالَ: وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ؛ وَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ تِجَارَةً بَعَثَهُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ” (ابن ماجة والترمذي وحسنه) . قوله: “(فأثرى) أي صار ذا ثروة بسبب مراعاة السنة؛ وإجابة هذا الدعاء منه .” ( تحفة الأحوذي).

 

– ذكر الله عند دخول السوق:

فمن آداب التاجر أن يذكر الله تعالى إذا دخل السوق؛ أو المحل التجاري أو ما شابه ذلك؛ لأن ذلك سبيل إلى محو السيئات وزيادة الحسنات ورفع الدرجات؛ فعن عمر بن الخطاب أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ دَخَلَ السُّوقَ فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ؛ وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ؛ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ “( الترمذي وابن ماجة بسند حسن)؛ “قال الطيبي: خص السوق بالذكر لأنه مكان الغفلة عن ذكر الله والاشتغال بالتجارة فهو موضع سلطنة الشيطان ومجمع جنوده، فالذاكر هناك يحارب الشيطان ويهزم جنوده فهو خليق بما ذكر من الثواب؛ فمن ذكر الله فيه دخل في زمرة من قال تعالى في حقهم {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّه}” ( تحفة الأحوذي ).

 

– تحري الكسب الحلال:

وهذا من أهم آداب البيع والشراء أن يهتم التجار بتحري الحلال والبعد عن الحرام؛ ولتكن لهم القدوة في سلفنا الصالح في تحري الحلال، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ” كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ لَهُ الْخَرَاجَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ؛ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ؛ فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ “(البخاري)؛ وروى عبد الرحمن بن نجيح قال:

نزلت على عمر ، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا، واستحل ذلك اللبن من بعض الناس، فقيل: هو لك حلال يا أمير المؤمنين ولحمها.

فانظر كيف فرَّق- بحلاوة إيمانه ومذاقه- بين طعم الحلال وبين ما فيه شبهة؟!! بل انظر إلى ذلك وإلى حالنا كما وصفه نبينا صلى الله عليه وسلم: “يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ” ( البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ) .

 

– الصدق في البيع والشراء:

لأن الصدق يورث الثقة بين المتعاملين؛ كما أنه سبيل إلى بركة البيع والشراء؛ فَعَن حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا”(متفق عليه)؛ قال ابن حجر:” في الحديث حصول البركة لهما إن حصل منهما الشرط وهو الصدق والتبيين، ومحقها إن وجد ضدهما وهو الكذب والكتم، وأن الدنيا لا يتم حصولها إلا بالعمل الصالح، وأن شؤم المعاصي يذهب بخير الدنيا والآخرة.”( فتح الباري)؛ ويكفي أن الصادق يحشر مع النبيين والشهداء؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

” التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”( الترمذي وحسنه)؛ وفي مقابل ذلك يبعث الكذابون من التجار يوم القيامة فجاراً؛ فعن رِفَاعَةَ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُصَلَّى فَرَأَى النَّاسَ يَتَبَايَعُونَ فَقَالَ:” يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ:” إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنْ اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ”؛( الترمذي وقال: حسن صحيح).

 

– الأمانة في البيع والشراء:

على التاجر أن يكون أمينا في بيعه وشرائه؛ فلا يبخس الناس حقوقهم ولا يأخذ أكثر من حقه؛ وإليكم هذه الصورة المشرقة التي تبين أمانة السلف الصالح في البيع والشراء؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، وَقَالَ الَّذِي لَهُ الْأَرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ. وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ. قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا”( البخاري )؛ تخيل لو حدث هذا في عصرنا الحاضر لرفعت قضايا إلى المحاكم وكلٌ يدعي أحقيته به !!

 

– وضع الجوائح:

فلو كان لك دين على تاجر آخر فاحترق محله مثلاً أو أن السيول غمرته أو أصابه نحو ذلك من الجوائح فارحمه وتسامح معه؛ فالجائحة عند الفقهاء: كل شيء لا يستطاع دفعه لو علم به كعارضٍ سماويٍ مثل البرد والحر والجراد والمطر. ومثل هذه الآفة التي تهلك الثمار والأموال وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة.( انظر معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية)؛ والجائحة لها أثر واضح في التخفيف عمن أصابته ويدل على ذلك عدة أحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: عن جابر قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا؛ بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟!!” وعَنْه- أيضا- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ” ( رواهما مسلم).

 

– السماحة والتراحم في البيع والشراء :

فينبغي للمسلم أن يكونَ ذا شفَقَة وعَطف وتسامح وإحسانٍ في البيع والشراء، فلا يغالي في الرِّبح، ولا يبالغ في التكسُّب، ولا يهتبل حاجةَ إخوانه ليرهقَهم بما يشقّ عليهم، بل يراعي حقوقَ الأخوَّة الإسلاميّة، وقد حثَّنَا الشارِعُ الحكيم على المسَامحَة في المعاملة، قال صلى الله عليه وسلم : “رحِم الله رجلاً سمحًا إذا باع وإذا اشتَرى وإذا اقتَضَى”.( البخاريّ ) .

ولقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في التسامح والرحمة في البيع والشراء؛ فقد روي في ذلك أن أبا قتادة رضي الله عنه كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه ، فجاء ذات يوم فخرج إليه فقال: ما يغيبك عني ؟ فقال: إني معسر وليس عندي شيء ، قال : آلله  إنك معسر؟ قال : نعم ، فبكي أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:” من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة.”( أحمد والدارمي) .

 

– إنظار المعسر:

فقد حث القرآن والسنة على ذلك؛  قال الله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة: 280). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ” (مسلم)؛ وقال أيضا صلى الله عليه وسلم:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ “(مسلم).

 

– خلط البيع والشراء بالصدقة:

نظراً لما يقع من كثير من التجار من الحلف واللغو والكذب؛ لذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم التجار إلى أن يخلطوا بيعهم بالصدقة فإنها تطفئ غضب الرب عز وجل؛ فقد ورد في الحديث عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الشَّيْطَانَ وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ فَشُوبُوا بَيْعَكُمْ بِالصَّدَقَةِ”( أبو داود والنسائي والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن صحيح) .

 

– الوفاء بالوعد:

وكثيرٌ من النصوص من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم أمرت بالوفاء بالوعد وحثت على ذلك وذمت من لم يف بوعده فمن هذه النصوص قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}( المائدة:1) فهذه الآية الكريمة تأمر بالوفاء بالعقود والوعد داخل في ذلك. “قال الزجاج: المعنى أوفوا بعقد الله عليكم وبعقدكم بعضكم مع بعض” ( تفسير القرطبي ).

 فينبغي على كل من اشتغل بالتجارة الوفاء بالوعد بينه وبين الناس وخاصة في البيع والشراء لما في ذلك من ضبط للمعاملات المالية.

ونحن جميعا قصة الرجل الذي استلف من رجل ألف دينار وسعى جاهداً لردها حتى بعثها له في خشبة في البحر والقصة معروفة ومشهورة .

 

– الكتابة والإشهاد:

نظراً لفساد وخراب الذمم يستحب الكتابة والإشهاد على البيع والشراء. قال تعالي:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ………وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ” (البقرة: 282). ففي ذلك مزيد ضمان للحق وتمتين للثقة والتعاون بين المسلمين، وإذا كان إنكار الحق عيانا بيانا مع أخذ الضمانات والكتابة والإشهاد شائعاً وكثيراً ؛ فكيف الحال مع عدم الكتابة والإشهاد !!!؟

 

– الإقالة:

وهي قيمة إنسانية عليا؛ فإذا اشترى شخص سلعة منك ثم ندم على شرائها وطلب منك إرجاعها فأرجعها وأقل بيعته عسى الله أن يقيل عثرتك يوم القيامة. والإقالة عند الْفُقَهَاءِ هي:” رَفْعُ الْعَقْدِ  وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ”. (الموسوعة الفقهية)؛ والإقالة أمر مندوب إليه شرعاً ومرغب فيه وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يقيل البائع المشتري إن ندم على الشراء لأي سبب من الأسباب. فقد ورد في الحديث  عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.” مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ( أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.)؛ قال الإمام الغزالي عند ذكره الإحسان في المعاملة:

” أن يقيل من يستقيله فإنه لا يستقيل إلا متندم مستضر بالبيع ولا ينبغي أن يرضى لنفسه أن يكون سبب استضرار أخيه”( إحياء علوم الدين) ؛ ولا شك أن الإقالة من باب الإحسان والتراحم والتيسير على الناس والرفق بهم وتقديم العون لهم وإقالة عثراتهم وهي أمور مطلوبة من المسلم .

 

العنصر الثاني: سلوكيات ومعاملات محظورة في سوق البيع والشراء من خطبة الجمعة

 

أيها المسلمون: بعد أن عرفنا في عنصرنا الأول آداب وأخلاق السوق؛ نأتي في هذا العنصر لنعرف البيوع والمعاملات والسلوكيات المحظورة والمنهي عنها شرعا في سوق البيع والشراء حتى لا نقع فيها كما قال الشاعر:

عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه……….ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه.

وكما كان حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: ” كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي” (البخاري)؛ ومن هذا المنطلق جاء هذا العنصر لنطوف حول هذه السلوكيات والمعاملات المنهي عنها والمحظورة والحكمة من النهي عنها والتي تتمثل فيما يلي:-

 

– الدخول أول السوق والخروج آخرها:

فاحذر أن تكون من المتكالبين على الدنيا الحريصين عليها؛ فلا تكونن أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها؛ فإن ذلك شر عظيم. فقد روى الإمام مسلم بإسناده عَنْ سَلْمَانَ قَالَ:” لَا تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ.” قال الإمام النووي في شرح مسلم:” قوله في السوق (إنها معركة الشيطان).

فشبه السوق وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بالمعركة; لكثرة ما يقع فيها من أنواع الباطل كالغش والخداع, والأيمان الخائنة, والعقود الفاسدة, والنجش, والبيع على بيع أخيه, والشراء على شرائه, والسوم على سومه, وبخس المكيال والميزان. وقوله (وبها ينصب رايته) إشارة إلى ثبوته هناك, واجتماع أعوانه إليه للتحريش بين الناس, وحملهم على هذه المفاسد المذكورة ونحوها, فهي موضعه وموضع أعوانه”

 

– استعمال أوراق المصحف الشريف في البيع والشراء:

فاحذر أخي التاجر من  استعمال الورق المكتوب عليه الآيات القرآنية لتغليف السلع؛ لما في ذلك من امتهان لآيات الكتاب الكريم لأنه يجب شرعاً تعظيم شعائر الله يقول الله تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج: 32) قال الإمام القرطبي في تفسيره:”  الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيء لله تعالى فيه أمر أشعر به وأعلم… فشعائر الله أعلام دينه “؛ ولا شك أن آيات القرآن الكريم من أعظم شعائر الله فتجب صيانتها وحفظها من الامتهان وعندما تلف البضاعة بهذا الورق الذي كتبت عليه آيات القرآن الكريم فهذا يعرضها للامتهان وهذا أمر محرم.

 

– المماطلة في السداد:

فكثير من الناس يستغل البائع فيأخذ منه البضاعة إلى أجل ثم يماطله في السداد رغم سعة المشتري ويسره؛ وهذا ظلم فاحش للبائع؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ”( متفق عليه)؛ لذلك فإن الله يعامله بنقيض قصده ويمحق بركة ماله بتلفه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ؛ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ”(البخاري).

 

– كثرة الأيمان:

كثير من التجار يكثرون من الحلف في البيع والشراء فتراهم يحلفون بالله عز وجل على أتفه الأمور ولا يعلمون أن كثرة الحلف مكروهة؛ هذا إذا كان الحالف صادقاً قال الله تعالى:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} ( المائدة: 89) ؛وقال:{ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ}( البقرة: 224)؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كثرة الحلف في البيع والشراء ويلحق به غيرهما من وجوه التعامل بين الناس؛ فقد ثبت في الحديث عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ” ( البخاري ومسلم)؛ قال الإمام النووي:” وفيه النهي عن كثرة الحلف في البيع فإن الحلف من غير حاجة مكروه وينضم إليه ترويج السلعة وربما اغتر المشتري باليمين” ( شرح النووي )؛ وقد توعد الله المنفق سلعته بالأيمان الكاذبة بالوعيد الشديد في الآخرة؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ؛ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ؛ وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ” ( البخاري)؛ قال أبو حامد الغزالي:” ولا ينبغي أن يحلف عليه البتة؛ فإنه إن كان كاذباً فقد جاء باليمين الغموس وهي من الكبائر التي تذر الديار بلاقع؛ وإن كان صادقاً فقد جعل الله عرضة لأيمانه وقد أساء فيه إذا الدنيا أخس من أن  يقصد ترويجها بذكر اسم الله من غير ضرورة … فإذا كان الثناء على السلعة مع الصدق مكروهاً من حيث أنه فـضـول لا يـزيـد فـي الـرزق فـلا يخفى التـغلـيـظ فـي أمـر الـيـمـيـن”( إحـيـاء علوم الدين ).

 

– البيع وقت النداء:

فقد نهى الإسلام عن البيع وقت النداء؛ وأمرك أن تترك تجارتك وعملك وتهرع إلى الصلاة، لأن هذا الوقت ملك لله ويحرم فيه بيع أو شراء أو عمل. قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }(الجمعة: 9). قال الإمام ابن كثير في تفسيره :”لَمَّا حَجَر الله عليهم في التصرف بعد النداء بيعاً وشراءً وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل الله، كما كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين، لهذا اتفق العلماء رضي الله عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني.”

 

– بيوع ومعاملات نهي عنها الشارع الحكيم:

عباد الله: هناك بيوع ومعاملات كثيرة نهي عنها الشارع الحكيم؛ ومنها: الربا والاحتكار والنجش والغش والتدليس وبيع الرجل على بيع أخيه والسوم على سومه والجلب وتلقي الركبان وبيع العينة والملامسة والحصاة والتصرية ….إلخ؛ وغير ذلك من البيوع المحرمة والمنهي عنها وحكمها وصورها والمبسوطة في كتب الفقه ولا يتسع المقام لذكرها في هذه الوريقات والدقائق المعدودة؛ وقد حرم الإسلام هذه البيوع لما فيها من الغرر والجهالة والتدليس والخداع وأكل أموال الناس بالباطل؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}(النساء: 29) “

فبين الله أن التجارة لا تحمد ولا تحل إلا إن صدرت عن التراضي من الجانبين؛ والتراضي إنما يحصل حيث لم يكن هناك غش ولا تدليس، وأما حيث كان هناك غش وتدليس بحيث أخذ أكثر مال الشخص وهو لا يشعر بفعل تلك الحيلة الباطلة معه المبنية على الغش ومخادعة الله ورسوله فذلك حرام شديد التحريم موجب لمقت الله ومقت رسوله وفاعله داخل تحت الأحاديث السابقة والآتية، فعلى من أراد رضا الله ورسوله وسلامة دينه ودنياه ومروءته وعرضه وأخراه أن يتحرى لدينه وأن لا يبيع شيئاً من تلك البيوع المبنية على الغش والخديعة” (الزواجر عن اقتراف الكبائر ) .

 

أيها المسلمون:

إن ما نزل بنا من بلاء وأمراض سببه كثرة البيوع المحرمة وانتشار الربا بين أفراد المجتمع؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا؛ وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ؛ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا؛ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ؛ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ” ( البيهقي والحاكم وصححه ).

 فهل يعي المسلمون معنى هذا الحديث العظيم في أحوالهم التي يعيشونها الآن ويعودوا إلى رشدهم ويبتعدوا عن طرق الكسب المحرمة؟!

عباد الله:

لقد تبيَّنَ أن تلك المعاملات المحرمة التي بدأت تدب في الناس من غلاء واحتكار للسلع غالبها من ضعف الإيمان وكثرة التعامل بالطرق المحرمة، وحب الدنيا، وإيثارها على العاجلة، وأنا أقول لمن يقع في ذلك: كم ستعيش في الدنيا؟ وكم ستملك؟ وإلى متى التمتع بملذاتها؟ أليست لك نهاية؟ أليس لك لقاء بملَك الموت؟ ألا تعلم أنك ستقف بين يدي رب العالمين فيجازيك بما فعلت؟ فلْيتَّقِ الله كُلُّ مَن تُسوِّل له نفسه احتكار السلع ورفع أسعارها؛ وليعلموا أنه لن تنفعهم أموالهم ولا أملاكهم فتمنع عنهم عقاب الله، وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي خالقهم فيسألهم عن كل ما جمعوه، أهو مِن حلال أم مِن حرام؟.

ولا شك أن مقصد الإسلام من تحريم هذه البيوع المحرمة هو أن تحل الرحمة مكان الغلظة والظلم ، ويحل التعاطف والتآزر والإيثار مكان الأنانية والجشع والطمع ، حتى يعيش المجتمع في ضوء القيم الأخلاقية والتعاليم الإلهية فينعم ويصفو ، ويعم الخير والرفاه جميع أفراده.

العنصر الثالث: قصص عن أخلاق السوق والبيع والشراء من خطبة الجمعة

عباد الله: تعالوا بنا في هذا العنصر لنعرض لكم قصصاً وصورة مشرقة لأخلاق سلفنا الصالح في بيعهم وشرائهم في السوق التجاري .

فهذا محمد بن المنكدر ؛ الذي كان من معادن الصدق والأمانة، كان له سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة، فباع غلامه في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة , فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه اغتمّ لصنيعه، وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار … حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال له ابن المنكدر : إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا هذا قد رضيت. فقال ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل الأعرابي أهل السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال: لا إله إلا الله، هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.

وهذا الإمام أبو حنيفة:

الذي يوصف بالأمانة الشديدة، والخلق الكريم؛ في تجارته وبيعه وشرائه؛ وقد كانت لأمانته صور عدة، وآثار كثيرة، منها: أن امرأة جاءته بثوب من الحرير تبيعه له، فقال: كم ثمنه؟ فقالت: مائة، فقال لها: هو خير من مائة، بكم تقولين؟ فزادت مائة ثم مائة حتى قالت: أربعمائة، قال: هو خير من ذلك، فقالت: أتهزأ بي؟ فقال: هاتي رجلًا يقوِّمْه، فجاءت برجل فاشتراه بخمسائة.

وكان يقرض الناس، فذهب يعود مريضاً وقت الظهر، فاستظل الناس بحائط البيت وبقى واقفاً في الشمس ينتظرون أن يفتح الباب لهم، فقالوا له: اقترب تستظل بالحائط حتى يأذن لنا، فقال أبو حنيفة: لا.. إن صاحبكم مديون إليَّ وأخاف أن يجر الدين نفعاً فأكون قد رابيت.

وكان يمنع الباعة أن يزكوا بضاعته للمشتري. فذات مرة جاءت امرأة تشتري الحرير ففتح ابنه حماد طاقة الحرير وقال: ما شاء الله فقال الإمام أبو حنيفة: يا حماد اجمع القماش فليست للبيع لقد زكيت.

ومن هذه الصور:

” أن أحد التجار الأمناء خرج ذات يوم في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب. فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع علي عيبه. فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر.  فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل! لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر:

إن ديني يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة، فقد قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” (مسلم)،  فاندهش اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلاً منها، ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله.”

ومن هذه الصور ما روى ” أن ابن سيرين باع شاة ، فقال للمشتري : أبرأ إليك من عيب فيها ، إنها تقلب العلف برجلها. وباع الحسن بن صالح جارية ، فقال للمشتري : إنها تنخمت مرة عندنا دماً.

فهكذا كانت سيرة أهل الدين ، فمن لا يقدر عليه فليترك المعاملة ، أو يوطن نفسه على عذاب الآخرة.” ( انظر:  الإحياء للغزالي).

عباد الله:

ألا فلنعد إلى ما كان عليه سلفنا الصالح من صدق وأخلاق في البيع والشراء حتى نكون قدوةً لغيرنا ؛ ودعوةً للآخرين إلى الدخول في هذا الدين الحنيف؛ إننا إن فعلنا ذلك فزنا في الدنيا بالسعادة والثقة والتراحم فيما بيننا ؛ وفي الآخرة بالجنة والمغفرة والثواب العظيم.

نسأل الله أن يرزقنا الرزق الحلال وأن يبارك لنا فيه ؛ وأن يباعد بيننا وبين الحرام كما باعد بين المشرق والمغرب ؛؛؛؛؛

الدعاء،،،،،،،                وأقم الصلاة،،،،،،،      

                                                        كتب خطبة الجمعة : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

 

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة و خطبة الجمعة لهذا اليوم

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

خطبة الجمعة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة باللغات

 

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع

 

خطبة الجمعة لوزارة الاوقاف من هنا

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »